لقد ظل مفهوم المواطنة ردحا من الزمن ذا نزعة قانونية لوثيق صلته بالحقوق فقد كانت الأنظمة ترمي إلى إقامة دولة قوية، و تبذل معظم جهودها في تحقيق هذه الغاية غاضة الطرف عن الواجبات المدنية المتعلقة بالمواطنة. لم تبق المواطنة مجرد مفهوم قانوني نظري، بل تحولت إلى حراك اجتماعي يضرب بسهم في إقامة مجتمع ديمقراطي، لذا بات فصلها عن الحريات، والتنمية الاقتصادية أمرا عسيرا. و قد أفرزت الاحتجاجات على الأنظمة القائمة جيلا واعيا لا يساوم على مواطنته، بل يطالب بتحملها كاملة بجميع تعقيداتها و تبعاتها.
و تشهد تونس في ظل الانتقال الديمقراطي حوارات عميقة بين مختلف التيارات السياسية، و بين أطياف المجتمع المدني في شأن الدور الذي تضطلع به الدولة، والمكانة التي يحتلها المواطن. و قد أصبح التونسي يطمح إلى تحقيق الحرية و العدالة في مختلف المجالات، و تطهير مؤسسة القضاء محور معظم الحوارات و الملفات، و إلى ما به نضمن تطوير الحياة السياسية، و ترقيتها أخلاقا و ممارسة، و عزم على النظر من جديد في مفهوم المواطنة، و إعادة مناقشة عقده الاجتماعي، و لا ريب في أن تحقيق ذلك يستغرق مدة طويلة قد لا يطيق انتظارها شريحة كبيرة ممن نفد صبرها أو كاد. و في هذا السياق نتساءل كيف يمكن أن تواجه حكومة الائتلاف هذا القلق الشعبي؟ و أي شرعية للأحزاب السياسية التي تتكاثر يوما فيوما؟ و ما هو السبيل الأمثل الذي يجب أن ينتهجه حتى لا تتحول هذه التحديات إلى فوضى؟ فالدولة مدعوة إلى أن تفرض شرعيتها، و هيبتها، و موقعها في خضم هذه الظروف و الملابسات، و في وقت تواجه فيه مؤسساتها حملة تشكيك، و يجري حوار شائك في قضية الهوية، و تتكاثر المطالب الاقتصادية العاجلة، و يبحث فيه عن مراجع ايديولوجية، و عن موقع دولي جديد مما يجعل من هذا البلد مخبرا لتشكل نموذج لديمقراطية عربية فريد
